الاثنين، 1 أبريل 2013

مرضى الجذام.. بين قسوة المرض وإنعزال المجتمع

تصوير محمد عبدالقوي

>>نرصد معاناه مرضى الجذام داخل مستعمرتم حيث ينعزلون.. وداخل قريتهم حيث يسكنون
>> قرية المرضى بها  450 عائلة تعيش دون مياه أو مواصلات أو شبكة صرف



تحقيق- محمد عبد القوي

في مكان نائي منعزل عن العالم الخارجي، يعيش أُناس يبتعد عنهم المجتمع شيئًا فشيئًا من هولة مرضهم.. مكانٍ واحد على مستوى الجمهورية مايسمح بإيواءهم.. تلك هي مستعمرة الجذام  بأي زعبل، حيث  ينعزل  مرضى الجذام عن حياة المجتمع أجمع، فإذا أردت أن تُلقِ نظرة على مآواهم ومسكنهم الشفائي الدائم؛ عليك أن تصطحب عربة مستقلة من منطفة أبي زعبل بمحافظة القليوبية، أو تصعد إلى إحدي عربات نصف النقل الصغيرة للذهاب إلى ذلك المكان المنعزل؛ حيث  تأخذك العربة في طريق مستوي ينشق بين آراضي شبه صحراوية تنبت فيه بعض النباتات الشوكية.. بعد خمسة عشر دقيقة بالعربة تجد نفسك أمام بوابة كبيرة أُقيمت في نهاية ذلك الطريق المستوي، تستعرضها لوحة كبيرة مكتوب عليها "مستعمرة الجذام بأبو زعبل"، التي تم إنشاؤها عام.1932



على بوابة المستعمرة، يستقبلك عم محمود، جالساً على أريكتة الخشبية،  وترتسم على شفتيه إبتسامة طيبة، مرتدياً  قبعة بيضاء تحجب عن أطراف عينيه التي أذاها الجذام أشعة شمس قاسية.. يتطلع في وجهك لعله يعرفك، فقد تكون واحداً من ضمن العشرات الذين أقتحموا عالمهم وإعتادوا علي زيارتهم.



جاء عم محمود، وهو من أكبر المعمرين داخل المستعمرة، من إحدى قرى محافظة أسيوط منذ عام 1983، عندما علم بأصابته بمرض الجذام، الذي تبدو أثاره واضحة على يديه ذات الإصبع المبتور، وعلى اطراف قدميه التي تغطيها البثور وتقيّحات المرض.



يسكن عم محمود في قرية الشهيد عبد المنعم رياض، التابعة للمستعمرة، متزوج من إبنة خالته ولديه وائل وهو فتي عشريني، اتم تعليمه في الثانوية الفنية، يروى عم محمود تفاصيل معاناته مع المرض قائلاً إن زوجته سليمة -لم تصاب بمرض الجذام-، وأن اهل زوجته قبلوه لأنه كان موظفاً بالحكومة، حيث كان يعمل عامل نظافة في حي المطرية، واخفى عم محمود عن زملاءه ومرؤسيه خبر إصابته خشيه أن ينفروه ويطردوه من العمل، لكن الوضع لم يستمر طويلاً، قائلاً: "عندما علموا إني مجذوم، نفرو مني، ولم يقبلوني  فأخذت أجازة مرضية، ويعمل عم محمود الآن في زراعة الفاكهة في المزرعة المحيطة بالمستعمرة نظير سبعة جنيهات يومياً. ".



معروف عن  عم محمود بالمستعمرة  بأنه على علاقة شخصية بأعلاميين بارزين، وأنه متابع للأحداث والحراك السياسي بعد الثورة، وعندما سألناه " هل شاركت في الانتخابات الرئاسية؟"، رد ببساطته الشديدة " طبعاً واخترت الفريق أحمد شفيق في الجولة الاولى والتانية لانه راجل مش كداب"، وعن رأيه في الخوان والدكتور مرسي، قال:" انا مش بكره الاخوان، بس هما كلامهم كتير والدكتور مرسي راجل كويس بس قرارته بطيئة".



 ويحلم عم محمود، كغيره من سكان قرية الشهيد عبد المنعم رياض التي خصصتها وزارة الصحة لتوطين مرضى الجذام، بأن يصدر الدكتور مرسي قراراً يسمح لهم بأن يتملكوا الاراضي التي تقوم عليها منازلهم، حيث لازالت مملوكة لوزارة الصحة..



المجذومات للمجذومين





 " اخترت جوزي يكون مريض زيي عشان يحس باللي فيا ويتقبلني"، عبارة قالتها الحاجة ناصرة عبد العزيز، وهي تصارع دموعها أثناء حديثها، فقسوة معاملة المجتمع لمريض الجذام، ونظرة الوصم والتمييز تجاهه أشد قسوة عليهم  من المرض، فهم يتحملون آلام الجسد بنفس سليمة، لكن آلام النفس كيف يتحملونها!



 جاءت الحاجة  ناصرة عبد العزيز الى المستعمرة وهي طفلة صغيرة قادمة من  محافظة الغربية بعد  أن أصابها الجذام، وتروي تفاصليها مع المرض بظهور بقع جلدية وحبوب وتقرحات على اطرافها ووجهها، فظلت تردد على الاطباء في محافظة الغربية دون أن تجد تشخيصاً لحالتها، إلى أن تم تحويلها إلى مستشفى بالقاهرة ، وعرفت حينها أنها تعاني من مرض الجذام، فتم إرسالها الى المستعمرة.



 تتحدث، والدموع تسابق لسانها، عو زواجها من مريض مثلها كان يتلقى العلاج  بالمستعمرة ، وكيف أن أحداً من خارج المستعمرة لمن يكن سيتقبلها كزوجة له لأنها مريضة بالجذام، لذلك فضلت أن تتزوج بمن هو في مثل معاناتها كي يشعر بها ويخفف عنها قسوة المرض.



رزقها الله  بثلاث بنات، وكانت تقيم بقرية الشهيد عبد المنعم رياض، المخصصة لمريضي الجذام والقريبة من المستعمرة، لكن سقوط منزلها دفع بهما الى العودة مرة أخرى وزوجها للإقامة داخل المستعمرة، فهي الآن ترقد لتتلقى الرعاية الصحية والاجتماعية في قسم النساء، ويرقد زوجها الذي نال المرض من قدميه المبتورة في قسم الرجال، لذلك فهي تحلم بمن يساعدها على بناء منزلاً يأويها من جديد هي وزجها وبناتها الثلاثة.



الطفلة سماح:" انا مش معدية ونفسي أرجع أعيش مع أهلي"



 تتحرك متكأه براحتها اليمنى على فخدها الأيمن لتعدل ماشيتها التي تعوّج بفعل المرض في أطراف قدمها اليسرى.. إبتسامة طفولية تعلو وجهها رغم قسوة المرض ونيله من أطراف أصابها المتقيحة..



تروي الطفلة سماح قصتها مع المرض، محتفظة بالإبتسامة على وجهها، وتتحدث عن لحظة إنغماس زجاجة في قدمها، وكانت في ذلك الوقت صاحبة السبع سنوات، وعن معاناتها في ترددها على الأطباء، الا أن أستقر بها المطاف عند احد الأطباء المختصين الذي شخص الحالة بأنها مريضة بالجذام وأرسلها للمستعمرة.



   وعلى الرغم من رغبتها في الرحيل التي تزداد يوماً بعد الآخر، الا أن سماح لم تشك من سوء معاملة الاطباء والمرضى لهم، وتقول:" الحمد لله كلنا هنا بنحب بعض وحاسين ببعض".



 الكل في المستعمرة من مرضى وممرضين يحبون سماح، التي نالت قسطاً من التعليم قبل ان يحول المرض عن إستكمال تعليمها منذ قدومها للمستعمرة، فيستعين بها أقرانها من المرضى ممن لا يقدرون على القراءه والكتابة عند الحاجة الى قراءه او كتابة أي شىء.



عنبر 5 مخصص لعزل المرضى

رغم  سنها الطفولي، الا ان شعورها بأنها مصابة بمرض ينفره المجتمع يسبب لها أوجاع أقسى من أوجاع المرض ، وعندما سألناها " بتضايقي  لما حد بيقول انك مريضة بمرض معدي"، إنقشعت الابتسامة من على وجهها ، وقالت في وجوم "مين قال ان الجذام معدي، المرض مش معدي خالص،  واهلي بيزورني عادي ونفسي أرجع أعيش معاهم.. بس ان شاء الله اول ما هخف هرجع أعيش معاهم في بلدنا زي الاول".

ناصر إتعالج من الجذام لكن المجتمع لايزال ينفره



  ناصر سلامة نصار، أصيب بالمرض في عام 2003، وكان في حينها يعمل موظفاً بإحدى شركات القطاع الخاص، ويروي معاناته مع المرض، بظهور بقع بنية اللون على مناطق متفرقة في جسده ، فتوجه الى القصر العيني، وأجرى فحوصات وتحاليل أثبتت أصابته بالجذام، فتم إرساله الى المستعمرة.

وفور علم المكان الذي يعمل به بأمر إصابته بالجذام  تم تسريحه عن العمل وتحويله الى التأمينات، وظل ناصر مقيماً بالمستعمرة ويعالج بها حتى اتم علاجه عام 2010، حيث أنه من الحالات التي أكتشف فيها ميكروب الجذام مبكراً، لكن معاناه ناصر مع الجذام لا زالت مستمرة، وهي تتمثل في نظره المجتمع إليه كشخص أصيب بمرض من أشد الأمراض عدوى، فعلى الرغم من حصوله على شهادة من المستعمرة تفيد بأنه تلقى العلاج وأصبح طبيعياً، يتم رفضه في جميع شركات القطاع الحكومي والخاص بعدما يعلموا انه كان مصاباً بالجذام.



يقول ناصر، أن المستعمرة باتت مصدر رزقه،  ولا زال مقيماً فيها رغم شفاءه،  وكما تكفلت المستعمرة بعلاجه من الجذام ، تكفلت أيضاً بإيواءه وتوفير مصدراً يرزق منه، فتم تعيننه في إدارة التغذية بالمستعمرة نظير راتب شهري. "المستعمرة أصبحت مصدر رزق لكل مريض بالجذام مش ليا انا بس" ، يضيف ناصر.



"مرضك ده معدي.. إمشي أطلع بره"



  عندما تم إنشاء المستعمرة روعي أن تكون لرعاية مريضى الجذام من جميع الامراض الآخرى،   لكن هناك حالات بين المرضى  يتم تحويلها الى مستشفى آخر خارج المستعمرة، وهنا يتعرض المجذوم إلى سوء المعاملة من الأطباء والممرضين، كالإهانة والطرد في كثير من الاحيان، بدعوى "أنهم معديين"



يقول (ن.س)، أحد العاملين بالمستعمرة،  أنه أصطحب مريضاً كان يعاني الى جانب الجذام من أورام سرطانية، لإجراء مسح ذري بمعهد الاورام، وعندما تسأل الطبيب المختص عن سبب التقيحات والالتهابات في جسد المريض، رد عليه المريض" اصلي بتعالج في المستعمرة من مرض الجذام"، فصرخ الطبيب في وجهه قائلاً " إنت إزاي جيت هنا..  مرضك ده معدي.. أمشي اطلع بره".


تضم المستشفى في طياتها عدة أبنية، منها مبنى الإدارة، ومبنى المرضى، ومبنى المكتبة، وهناك مبنى لعدد من الورش لصناعة أحذية المرضى والحياكة بهدف تأهيل المريض، كما يوجد قسم خاص للرجال وقسم خاص للنساء، ويوجد سجن لمرضى الجذام ذوي الأحكام القضائية، أما عن المزرعة، فتقع على مساحة 125 فدان، ومكونة من حدائق برتقال وتين شوكي، يعمل بها المرضى على سبيل التأهيل، مقابل أجر يومي سبعة جنيهات يوميًا، يُباع المحصول ويتم توريد الإيرادات لصالح موازنة الدولة العامة، وعن الجزء الثالث للمستعمرة، قرية المرضى، أو قرية الشهيد عبد المنعم رياض، أقيمت على حوالي 15 فدان بموقع داخل حدود المستعمرة منذ 45 سنة، ويقطن بها حوالي 450 أسرة مرضى جذام قدامي وزويهم، أي ما يقرب من حوالي 3000 نسمة.



وللتعرف على طبيعة مرض الجذام وبدايته؛ تحدثنا مع الدكتور "صلاح عبد النبي" مدير برنامج مكافحة الجذام بوزارة الصحة، والذي عرفنا أكثر على مرض الجذام، قائلاً: "الجذام هو مرض مُعدي، يسببه ميكروب يُسمى باسيل الجذام، يُؤثر على الأعصاب الطرفية والأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي، ومتوسط فترة حضانة المرض تتراوح من 2- 6سنوات، والمرض معدي، لكن ليس جميع الحالات معدية، يوجد ست حالات لمرض الجذام، حالة وحيدة تنتقل فيها العدوى، وهي الحالة التي يكون فيها الميكروب في جميع أجزاء المريض، بما فيها الأنف، فينتقل الميكروب عن طريق الاستنشاق، لكن بمجرد أن يبدأ المريض في برنامج العلاج فلا علينا القلق من الاحتكاك به، كما أن الأمر يتعلق بمناعة الشخص السليم، حيث أن نسبة 5% فقط  من الناس على استعداد لينتقل إليهم المرض".



ثم قام الدكتور "صلاح" بوضع حصر لعدد مرضى الجذام على مستوى الجمهورية، ففي عام  2011 تم تسجيل على مستوى الجمهورية 649 حالة، وهذا العدد يقل عن عدد الحلات في 2010 بأكثر من 700 حالة إصابة بالمرض".

سيارة نقل تنقل الاطفال الى مدارسهم


قرية المرضى خارج نطاق الخدمة.. السكان : الجهات الحكومية تنتعتنا ب"المجذومين" "واولاد العيانين



على مساحة 15 فدان، وفي موقع في حدود المستعمرة، تقع قرية الشهيد عبد المنعم رياض، التي خصصتها وزارة الصحة لمريضي الجذام بالمستعمرة الراغبين في الزواج والانجاب، ليكون لهم مجتمع  يعيشون فيه ويتعايشون معه، ويوجد في القرية الان عائلات 450 من مريضي الجذام،  لكن القرية تفتقد الى الخدمات الاساسية والضرورية التي بدونها تصبح الحياه شبه مستحيلة، فالقرية بدون شبكة للصرف الصحي، والمياه المستخدمة في المنازل مالحة ولا تصلح نهائياً للشرب أوالطعام، ولا يوجد خط مواصلات يربط القرية المعزولة بالمحافظة.



 وأبدى سكان قرية عبد المنعم رياض إستياءهم من عدم وجود مدرسة إبتدائي لأولادهم، مما يضطرهم للركوب أو السير مسافة 5 كيلومتر يومياً للوصول لأقرب مدرسة، " بضطر أغيب بنتي  من المدرسة عشان صحتها"،  يقول زياد عبد الله أحد أبناء القرية، فإبنته في الصف الأول الإبتدائي تسير على قدمها مسافة طويلة للوصول لمدرستها الواقعة على بعد 5 كيلو متر، أو يستئجر الآباء سيارات نقل سيارات لتقل أطفالهم، وقد تصادف وقت وجودنا في القرية مع وقت عودة التلاميذ وإستطعنا تصوير سيارة ربع نقل تحمل في صندوقها أكثر من 20 تلميذ.



 وقد تبنت إحدى الجمعيات الخيرية، مشروع بناء مدرسة إبتدائية بالقرية،  لكن المشورع الذي بدأ تنفيذه من ثلاث سنوات توقف، رغم أنه شارف على الانتهاء ودخول حيذ التشغيل.



ويعاني سكان القرية من سوء معاملة الاجهزة الادارية وأقسام الشرطة لهم، عندما تعلم تلك الجهات أنهم من ساكني قرية الشهيدعبد المنعم رياض، الذين يطلقون عليها "قرية المرضى"،  حيث يتعرضون للشتائم والإهانة والطرد في كثير من الاحيان، وينعتوهم ب "المجذومين"، كذلك فإن تلاميذ القرى الاخرى يسموا أطفالهم في المدارس ب "أولاد العيانين".



أهالي القرية يروون معاناتهم 

هناك تعليق واحد:

1227 معتقلة سياسياً في مصر

"ضرب، سحل، وألفاظ خادشة للحياء"، هكذا لخصت سارة محمد (22 عاماً)، حجم المعاناة التي تتعرض لها والدتها، المعتقلة بسجن القناطر في...