مشهد يعاني منه يومياً المواطن المصري |
إنها حقا رحلة سعيدة!
كان يوم الأحد، وكعادتي استيقظت من نومي في الساعة في السادسة صباحاً، فاليوم محاضرة النظم السياسية الساعة الثامنة صباحاً، التي احرص على حضورها اشد الحرص حباً في إسلوب شرح الدكتورة أحلام السعدي، أستاذة النظم السياسية بجامعة حلوان، فهي أستاذة جديرة بالاحترام لشخصها الودود وإسلوبها الراقي، على عكس باقي الأساتذة، والذين تورم ذاتهم، فاعتبروا أنفسهم أنبياء وأصحاب رسالات غير قابلين للمناقشة.
خرجت من شقتي في تمام الساعة السادسة والنصف، فأنا دوماً عندما اذهب إلى الجامعة، اخرج قبل موعدي بساعة ونصف، وهي كفيلة بأن أصل في موعدي أو متأخراً بعض الشئ، لظروف طارئة خارجة عن الحسبان..
كعادتي يومياً انتظرت السيارة الميكروباص التي ستقلني من الشارع العشرين بفيصل، حيث اسكن، إلى محطة مترو فيصل،كانت الساعة السادسة والنصف فلذلك الموقف ملئ بالركاب، تلاميذ ذاهبون إلى مدارسهم، ومنهم من أستيقظ اباءهم او أمهاتهم ليوصلوهم إلى مدارسهم و يشاركوهم مشقة المواصلات، وطلاب ذاهبون إلى جامعاتهم، وموظفون إلى وظائفهم، وجميعنا ذاهب إلى محطة المترو
تأتي السيارة الأولى، فيتسابق الركاب للإلحاق بها، ثم فجأة تجد أكثرهم عائدون، فالسائقين ينتقمون منا بتشف فيستغلون تزاحم الركاب، ويقتمسون الخط على مواصلتين بدلاً من مواصلة وهناك من الركاب من يرفضون ذلك، أما إنا فنظراُ لضيق وقتي اضطر إلى الرضوخ لطمعهم في اغلب الأحيان॥
كان حظي سيئاً ذاك اليوم مع "الميكروباصات" على غير العادة، ركبت الميكروباص الذي سيقلني لمنتصف مشواري الى محطة مترو فيصل فتعطل المحرك لأكثر من 10 دقائق، فاضطررنا إلى الإستجابة إلى طلب السائق بإعطاء دفعة للسيارة॥ "دفعة إلى الامام" ، وبعدها استقليت الميكروباص الثاني ، طلبت من السائق أن يخفض من صوت الكاسيت الذي كاد أن يثقب طبلة أذني، فرد قائلاً " إمال انا جايب الكاسيت والسماعات ليه ياباشا"، فلم أرد عليه، ولكنه أستطرد قائلاً " اللي مش عاجنه ينزل يا جماعة"، وما إن أكمل جملته الأخيرة ، حتى توقفت أصوات السيارة تماماً، فالمحرك قد تعطل أيضا هذه المرة، بعد عدة محاولات للسائق لكي يستعيد تشغيل المحرك طلب منا أن نعطي للسيارة دفعة، ولم نكن نحن قد دفعنا الأجرة، فأردنا عقابه على ما أقترفه من تلوث ضوضائي أذى به آذاننا، فلم نصغ إلى كلامه ، وإستقلينا سيارة أخرى
وصلت الى محطة فيصل في تمام الساعة السابعة والثلث تقريباً، وهنا أدركت أني بالتأكيد لن أصل في موعد المحاضرة بالضبط، فسأصل متأخراً بعض الشئ.
الساعة الثامنة إلا ثلث كنت على رصيف محطة أنور السادات في إنتظار القطار المتجه إلى حلوان، بدا على رصيف المحطة أن عدد الركاب المنتظرين للقطار طبيعياً، فهو طبيعياً بالنسبة لنا كمصريين وهو العدد الذي يتيح لك ن تجد مكان تضع فيه قدمك في عربة المترو..
تمر دقيقة تلو الدقيقة ولم يأت القطار، في حين يتوافد إلى الرصيف أعدادا من الركاب، تمر الدقائق تلو الدقائق ولم يأت القطار حتى بت لا أرى أي جزء من أرضية الرصيف، فالركاب يتوافدون ويتزاحمون ويتكدسون.. ونتيجة لذلك بدأت تعلو أصوات غاضبة للركاب وتدوي في أرجاء المحطة، فهناك من الركاب من يسب ويلعن في إدارة تشغيل المترو، وهناك من يسب ويلعن في الحكومة بأكملها، وهناك من يسب ويلعن في سائق القطار المتأخر، وهناك ايضاً من يسب ويلعن في الركاب المتزاحمين عليه..
مر ما يقرب من 30 دقيقة، ولم يأت القطار، ولك أن تتخيل عدد الركاب الذي قد يتوافد ويتمركز خلال 30 دقيقة وفي محطة مزدحمة بطبيعتها كمحطة أنور السادات॥ الساعة الان الثامنة والثلث، وهنا تيقنت أن المحاضرة قد مرت علي بالفعل، ومن الصعب الحضور حتى جاء الصوت الذي ينذر بقدوم القطار،الغريب في الأمر ان جميع الركاب – جميعهم- قد استعدوا للركوب، وكل شخص اراد أن يلحق بهذا القطار، وأكون كاذباً إذا لم اقل اني كنت من اشد الركاب حرصاً على الإلحاق بذلك القطار، فما يضمن لي أن القطار التالي لن يأت متأخراً هو الآخر.
وصل القطار إلى المحطة فنظرت إليه قبل ان يقف ويفتح أبوابه، ثم ابتسمت إبتسمامة صغيرة..، فالقطار لا يحتاج ان يفتح ابوابه، فالقطار كان ممتلئاًعلى أتمته، ورغم ذلك فالجميع مستعدون للهجوم عليه وكنت انا واقفاً امام الباب تقريباً.. فتحت الأبواب ، وباليتها ما فتحت، كتل من البشر تهجم على الأبواب، ولم اجد نفسي الا تائها وسط هذا العدد لا استطيع الركوب فالمشاحنات دارت بين من يتسابقون الى الركوب ، كما هناك ايضاً أعدادا كبيرة من الركاب تريد النزول الى محطة السادت، ولكنها تحاول، وبعد وقت ليس بقليل من الشد والجذب استطعت الخروج من وسط هذه التدفقات البشرية ،ووقفت بعيداً عن الأبواب أشاهد..
وكانت بالفعل مشاهدة سعيدة أن تجد أن عربة القيادة الخاصة بالسائق قد إمتلاءت بالركاب رغم انف السائق، والعربتان الخاصتان بالسيدات قد إمتلات بالرجال، ورجال ونساء يبدو عليهم موظفين لدى الحكومة يسبون في الحكومة، وأخر بدا علي كلامه عاملاً في احد مصانع الاسمنت أو مصانع الحديد والصلب او ما شابه ذلك، يتشابك مع السائق، ويعاتبه على تأخيره، وعندما يحاول السائق ان يفهمه أن تأخيره بأمر من إدارة المترو.
ومن الجميل ايضاً قيام الركاب ممن لم يستطعوا الركوب ، بالوقوف على أبواب القطار ومنع إغلاقها، حتى لا يستطيع القائد قيادة القطار، ورغم توسلات بعض الراكبين ونباح السائق وإنذاراته الا أنهم قرروا أن يعطلوا تحريك القطار كما أعطلهم عن أعمالهم
استغرقت هذه المشاهدات اكثر من 15 دقيقة تقريباً، الا أن استطاع السائق بمساعدة امن المحطة من تهدئة الركاب الغاضبين الناقمين على وسيلة المواصلات التي كنت أعتبرها – كما يعتبرها الكثير- أأمن وأسرع وسائل المواصلات وأكثرها تنظيماً، سار القطار وما زلت واقفاً في مكاني..
ورغم هذا لم أكن نادماً على عدم مسارعتي باستقلال وسيلة مواصلات أخرى بدلاً من المترو لأني تعمدت أن أشاهد ما شاهدته، فيكفي أن أشاهد مشروع مترو الأنفاق الذي يفتخر به الرئيس مبارك دوماً كأحد واهم الإنجازات التي تمت في عهده، وهو عاجز على ان يقوم بوظيفته ويشهد ما لا يشهده مثله في غيره دول العالم ، حتى دول العالم الثالث، يكفي أن أشاهد الحكومة تسب وتلعن من موظفي الحكومة انفسهم ، يكفي أن أشاهد ان الحكومة بجلالة قدرها غير قادرة على توفير وسائل اَمنة ومريحة لمواطنيها للذهاب الى أعمالهم وكأن تأخر ألاف الموظفين والعمال عن أعمالهم شيئاً عادياً॥ فمثل هذه الكوارث لا تشهدها سوى دول تخلفت واصبحت غيرقادرة حتى على ان تحافظ على مكانتها بين دول العالم الثالث، في حين تتسابق دولاً على إرسال مركبتها وعلمائها إلى الفضاء
مرت اربعين دقيقة سريعاً استغرقتها المسافة من محطة السادت إلى محطة جامعة حلوان॥ نزلت إلى المحطة في تمام الساعة التاسعة وعشرون دقيقة، وكل ما اسمعه كان صوتاً مدوياً صادر عن ميكروفونات المحطة يقول" إدارة المترو تتمنى لكم رحلة سعيدة".. فقلت في نفسي "إنها حقاً رحلة سعيدة"..
خرجت من شقتي في تمام الساعة السادسة والنصف، فأنا دوماً عندما اذهب إلى الجامعة، اخرج قبل موعدي بساعة ونصف، وهي كفيلة بأن أصل في موعدي أو متأخراً بعض الشئ، لظروف طارئة خارجة عن الحسبان..
كعادتي يومياً انتظرت السيارة الميكروباص التي ستقلني من الشارع العشرين بفيصل، حيث اسكن، إلى محطة مترو فيصل،كانت الساعة السادسة والنصف فلذلك الموقف ملئ بالركاب، تلاميذ ذاهبون إلى مدارسهم، ومنهم من أستيقظ اباءهم او أمهاتهم ليوصلوهم إلى مدارسهم و يشاركوهم مشقة المواصلات، وطلاب ذاهبون إلى جامعاتهم، وموظفون إلى وظائفهم، وجميعنا ذاهب إلى محطة المترو
تأتي السيارة الأولى، فيتسابق الركاب للإلحاق بها، ثم فجأة تجد أكثرهم عائدون، فالسائقين ينتقمون منا بتشف فيستغلون تزاحم الركاب، ويقتمسون الخط على مواصلتين بدلاً من مواصلة وهناك من الركاب من يرفضون ذلك، أما إنا فنظراُ لضيق وقتي اضطر إلى الرضوخ لطمعهم في اغلب الأحيان॥
كان حظي سيئاً ذاك اليوم مع "الميكروباصات" على غير العادة، ركبت الميكروباص الذي سيقلني لمنتصف مشواري الى محطة مترو فيصل فتعطل المحرك لأكثر من 10 دقائق، فاضطررنا إلى الإستجابة إلى طلب السائق بإعطاء دفعة للسيارة॥ "دفعة إلى الامام" ، وبعدها استقليت الميكروباص الثاني ، طلبت من السائق أن يخفض من صوت الكاسيت الذي كاد أن يثقب طبلة أذني، فرد قائلاً " إمال انا جايب الكاسيت والسماعات ليه ياباشا"، فلم أرد عليه، ولكنه أستطرد قائلاً " اللي مش عاجنه ينزل يا جماعة"، وما إن أكمل جملته الأخيرة ، حتى توقفت أصوات السيارة تماماً، فالمحرك قد تعطل أيضا هذه المرة، بعد عدة محاولات للسائق لكي يستعيد تشغيل المحرك طلب منا أن نعطي للسيارة دفعة، ولم نكن نحن قد دفعنا الأجرة، فأردنا عقابه على ما أقترفه من تلوث ضوضائي أذى به آذاننا، فلم نصغ إلى كلامه ، وإستقلينا سيارة أخرى
وصلت الى محطة فيصل في تمام الساعة السابعة والثلث تقريباً، وهنا أدركت أني بالتأكيد لن أصل في موعد المحاضرة بالضبط، فسأصل متأخراً بعض الشئ.
الساعة الثامنة إلا ثلث كنت على رصيف محطة أنور السادات في إنتظار القطار المتجه إلى حلوان، بدا على رصيف المحطة أن عدد الركاب المنتظرين للقطار طبيعياً، فهو طبيعياً بالنسبة لنا كمصريين وهو العدد الذي يتيح لك ن تجد مكان تضع فيه قدمك في عربة المترو..
تمر دقيقة تلو الدقيقة ولم يأت القطار، في حين يتوافد إلى الرصيف أعدادا من الركاب، تمر الدقائق تلو الدقائق ولم يأت القطار حتى بت لا أرى أي جزء من أرضية الرصيف، فالركاب يتوافدون ويتزاحمون ويتكدسون.. ونتيجة لذلك بدأت تعلو أصوات غاضبة للركاب وتدوي في أرجاء المحطة، فهناك من الركاب من يسب ويلعن في إدارة تشغيل المترو، وهناك من يسب ويلعن في الحكومة بأكملها، وهناك من يسب ويلعن في سائق القطار المتأخر، وهناك ايضاً من يسب ويلعن في الركاب المتزاحمين عليه..
مر ما يقرب من 30 دقيقة، ولم يأت القطار، ولك أن تتخيل عدد الركاب الذي قد يتوافد ويتمركز خلال 30 دقيقة وفي محطة مزدحمة بطبيعتها كمحطة أنور السادات॥ الساعة الان الثامنة والثلث، وهنا تيقنت أن المحاضرة قد مرت علي بالفعل، ومن الصعب الحضور حتى جاء الصوت الذي ينذر بقدوم القطار،الغريب في الأمر ان جميع الركاب – جميعهم- قد استعدوا للركوب، وكل شخص اراد أن يلحق بهذا القطار، وأكون كاذباً إذا لم اقل اني كنت من اشد الركاب حرصاً على الإلحاق بذلك القطار، فما يضمن لي أن القطار التالي لن يأت متأخراً هو الآخر.
وصل القطار إلى المحطة فنظرت إليه قبل ان يقف ويفتح أبوابه، ثم ابتسمت إبتسمامة صغيرة..، فالقطار لا يحتاج ان يفتح ابوابه، فالقطار كان ممتلئاًعلى أتمته، ورغم ذلك فالجميع مستعدون للهجوم عليه وكنت انا واقفاً امام الباب تقريباً.. فتحت الأبواب ، وباليتها ما فتحت، كتل من البشر تهجم على الأبواب، ولم اجد نفسي الا تائها وسط هذا العدد لا استطيع الركوب فالمشاحنات دارت بين من يتسابقون الى الركوب ، كما هناك ايضاً أعدادا كبيرة من الركاب تريد النزول الى محطة السادت، ولكنها تحاول، وبعد وقت ليس بقليل من الشد والجذب استطعت الخروج من وسط هذه التدفقات البشرية ،ووقفت بعيداً عن الأبواب أشاهد..
وكانت بالفعل مشاهدة سعيدة أن تجد أن عربة القيادة الخاصة بالسائق قد إمتلاءت بالركاب رغم انف السائق، والعربتان الخاصتان بالسيدات قد إمتلات بالرجال، ورجال ونساء يبدو عليهم موظفين لدى الحكومة يسبون في الحكومة، وأخر بدا علي كلامه عاملاً في احد مصانع الاسمنت أو مصانع الحديد والصلب او ما شابه ذلك، يتشابك مع السائق، ويعاتبه على تأخيره، وعندما يحاول السائق ان يفهمه أن تأخيره بأمر من إدارة المترو.
ومن الجميل ايضاً قيام الركاب ممن لم يستطعوا الركوب ، بالوقوف على أبواب القطار ومنع إغلاقها، حتى لا يستطيع القائد قيادة القطار، ورغم توسلات بعض الراكبين ونباح السائق وإنذاراته الا أنهم قرروا أن يعطلوا تحريك القطار كما أعطلهم عن أعمالهم
استغرقت هذه المشاهدات اكثر من 15 دقيقة تقريباً، الا أن استطاع السائق بمساعدة امن المحطة من تهدئة الركاب الغاضبين الناقمين على وسيلة المواصلات التي كنت أعتبرها – كما يعتبرها الكثير- أأمن وأسرع وسائل المواصلات وأكثرها تنظيماً، سار القطار وما زلت واقفاً في مكاني..
ورغم هذا لم أكن نادماً على عدم مسارعتي باستقلال وسيلة مواصلات أخرى بدلاً من المترو لأني تعمدت أن أشاهد ما شاهدته، فيكفي أن أشاهد مشروع مترو الأنفاق الذي يفتخر به الرئيس مبارك دوماً كأحد واهم الإنجازات التي تمت في عهده، وهو عاجز على ان يقوم بوظيفته ويشهد ما لا يشهده مثله في غيره دول العالم ، حتى دول العالم الثالث، يكفي أن أشاهد الحكومة تسب وتلعن من موظفي الحكومة انفسهم ، يكفي أن أشاهد ان الحكومة بجلالة قدرها غير قادرة على توفير وسائل اَمنة ومريحة لمواطنيها للذهاب الى أعمالهم وكأن تأخر ألاف الموظفين والعمال عن أعمالهم شيئاً عادياً॥ فمثل هذه الكوارث لا تشهدها سوى دول تخلفت واصبحت غيرقادرة حتى على ان تحافظ على مكانتها بين دول العالم الثالث، في حين تتسابق دولاً على إرسال مركبتها وعلمائها إلى الفضاء
مرت اربعين دقيقة سريعاً استغرقتها المسافة من محطة السادت إلى محطة جامعة حلوان॥ نزلت إلى المحطة في تمام الساعة التاسعة وعشرون دقيقة، وكل ما اسمعه كان صوتاً مدوياً صادر عن ميكروفونات المحطة يقول" إدارة المترو تتمنى لكم رحلة سعيدة".. فقلت في نفسي "إنها حقاً رحلة سعيدة"..